البيان: علاقتنا بالغرب تتنازعها في الساحة الفكرية آراء متباينة؛ فمن المفكرين من يطالب بالحوار مع شتى الفعاليات الفكرية والسياسية في الغرب، ويتحدث عن أزمة في الفهم بين الطرفين لن يعالجها إلا الحوار الجاد، وهناك مفكرون آخرون يتحدثون عن أن الغرب المتغطرس يزدري الضعفاء، ولا يؤمن إلا بالقوة، ولا يعرف إلا لغة الصراع بين الحضارات، وأن الحوار ما هو إلا ألعوبة يتشدق بها أدعياء الحرية و
الديمقراطية، وبين هؤلاء وأولئك آراء أخرى... فما رؤيتكم لهذه العلاقة، وهل من سبيل إلى رؤية علمية حيال هذا الأمر؟
الجواب: التنازع لا ينحصر في هذه القضية؛ فأحد وجوه الخلل في التفكير المنهجي افتعال الصراع أو توهمه حيث لا سبب له.
فهو يفتعل بين العلم والدعوة لمن ترك أحدهما، وبين الجهاد والإصلاح ممن لم يستطع التوفيق بينهما، وهكذا كما ذكر الله عن النصارى: ((
وَمِنَ الَّذِينَ قَالُوا إنَّا نَصَارَى أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فَنَسُوا حَظًّا مِّمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللَّهُ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ)) [المائدة: 14]، وسبب ذلك عدم إدراك سنة الله في التنوع وتيسير كل أحد لما خلقه لـه، وفقد الرؤية الكلية والانحصار في رؤية ضيقة على جانب واحد من الحق؛ وإلا فما المانع من أن يجتمع الحوار العلمي والإعداد الجهادي العام؟
إنهما ليسا متناقضين؛ بل كل منهما وجه للقوة؛ فلولا قوة
الصين لما اضطرت
أمريكا إلى حوارها، ولولا القنبلة النووية لما سمعت
الهند من
باكستان، وفي الوقت نفسه سقطت قوة
الاتحاد السوفييتي عسكرياً لما أخفق عقدياً.
كلنا نؤمن بأن الإيمان شُعب، واستكمال التربية على كل الشعب متعسر أو متعذر؛ فالحل الصحيح إذن هو مراعاة حال الأمة؛ ففي مثل واقعنا الحالي أرى أن أهم شعبتين بعد التوحيد هما: الجهاد والزهد. ونتدرج في استكمال ذلك بواقعية؛ فالمجاهد في
فلسطين و
أريتريا و
الشيشان و
كشمير و
الفلبين هو في حالة ضعف بالنسبة لعدوه المباشر؛ مع أنه في الوقت نفسه يواجه القوى العالمية التي تنصر هذا العدو عليه، ويعاني من قلة الناصر من المسلمين بعذر أو بغير عذر.
وأهم من ذلك أن قوتنا العظمى هي في ديننا وعقيدتنا، وبها نغلب العدو ونفتح القلوب والبلاد؛ فاهتمامنا بالعلم والدعوة، وقدرتنا على البلاغ والحوار لشرح محاسن الإسلام هي أكبر أسباب النصر على العدو في ميدان المعركة، وأعظم ممهد لإعلاء كلمة الله في الأرض دون أن يعني ذلك الاكتفاء بالحوار عن الجهاد، أو الاستغناء بالمقاومة عن المجادلة والدعوة، إن مقتل جنرال من العدو نصر نفرح به، لكن ينبغي أن يكون فرحنا بإسلام عالم أو قسيس أعظم منه.
في كل حالٍ يجب أن نكون أقوياء؛ فالغرب وغيره لا يستمع إلا للقوي، ومن القوة قوة الحجة والبرهان والحكمة في التعامل مع الاستمرار في المصابرة، لا نمنع الحوار لكن ننبه إلى ضوابطه ومحاذيره، ونحرض على الجهاد لكن ننبه إلى شروطه وعواقبه، ويعمل الطرفان كاليدين للإنسان.
أما بالنسبة للغرب فهو ليس شيئاً واحداً، و
أمريكا نفسها منقسمة، ومن الخطأ التعامل معها على أنها كلها يمين متطرف أو كلها مفكرون عقلانيون، فـ
أمريكا فيها أسوأ ما أنتج الغرب من دعاة الدمار والهمجية، وفيها أحرص الناس -بعد المسلمين- على العدل.
ومن الحكمة أن يواجه كل منهما بما يناسبه، ومن هنا يجب أن نستكمل القوة في كل ميادينها والإعداد للمواجهة الحاسمة دون استعجال للأحداث واستثارة للعدو ونحن لا طاقة لنا به، وقد أثبتت الحرب الأخيرة في
أفغانستان أن ضعفنا الإعلامي شديد، بل هو أشد من الضعف العسكري.